الأفعال هي ثمرة الأفكار والثقافة هي خلاصات النقاش الفكري الدائم فمن خلال دراستي للفلسفة الغربية القديمة والحديثة  وفلسفة ما بعد الحداثة ،وأثناء زياراتي المتكررة الى أوروبا، كنت أرى آثار تلك العقول والنظريات الفلسفية في أكثر نواحي الحياة،  من حيث الدقة  في النظام العام الى انتظام الفرد فيه. وكثيرا ما كنت اجري مقارنةً بين الوازع الديني  لترك الرذائل والواجب الأخلاقي الذي نحته الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط والذي يتمثل بمفهوم " اعمل كما لو أن عملك أصبح قانوناً كونياً" وكنت أرى أن هذا المفهوم يكفي  لكي ترى  انتظاماً  في كل مناحي الحياة  يكون الوازع الأخلاقي عملياً 
بالاضافة الى القيم الدينية التي أؤمن بها  وأعتبرها قادرة على أن  تصنع إنساناً لا (حيواناً مفترس أو شهوانياً بلا عقل) فقد  وجدت في الأخلاق العملية الغربية مساراً قد  لا يقل أهمية عن الناحية النظرية  الدينية في تهذيب النزعة التوحشية لدى البشر . 
أردت بهذه المقدمة  أن أبين أن نظام التعليم القائم في الغرب  على ضوء الفكر الفلسفي وحواراته الدائمة  هو الذي صنع  أخلاق الغرب التي رأينا  الكثير من صورها واعجب بعضنا بالكثير منها.  من حقوق الطفل والمرأة الى الحرية الشخصية الى حق الفرد في التنقل والحياة الكريمة ،وواجب الدولة في حماية الفرد بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه ،الى الرأفة بالحيوان  والحفاظ على البيئة. لاشك أن كل من زار الغرب يشعر  بإنسانيته  المحترمه ويرى فرقاً كبيراً بين بلادنا وبلاد الغرب . 
  من هنا نجد تنامي الحضور الشعبي الغربي في شوارع لندن وبروكسل ومدن ألمانيا وفرنسا وصولا الى أميركا ومدنها الكبرى كنيويورك وواشطن نصرة للقضية الفلسطينية. ندرك أن هذه الهبّة الشعبية الغربية استنكاراً لما يحصل في غزة، وبالمناسبة إن الحضور الجماهيري في تلك التظاهرات لم يكن محصورا بالجاليات الفلسطينية أو العربية وإنما كان معظمها من السكان الأصليين لتلك البلاد. وإني لأجد أن هذا الحضور في نصرة القضية الفلسطينية  هو نتيجة وانعكاس النظام التعليمي والتربوي والفلسفة الأخلاقية التي قامت المجتمعات الغربية على أساسها والتي سوف تحاكِم أخلاقيا الجرائم الإسرائيلية من  قتلٍ للاطفال والنساء الى الإبادة الجماعية واستخدام أسلحة محرمة دولياً الى نظام الفصل العنصري التي تنتهجه دولة إسرائيل  "الديمقراطية "والتي تتدثر  وتتغطى  بنفس هذه الأخلاق الغربية حيث استفادت منها واستعملتها في روايتها و سرديتها الإعلامية  عن نفسها لتأمين التعاطف الغربي مع مخططاتها .ولم تكن المآسي التي تعرّض لها اليهود على يد النازية  الأوروربية إلا توظيفاً واستعمالاً رخيصاً  للتعاطف الإنساني، َمختبئين تحت شعار معاداة السامية.الذي تم توظيفه توظيفاً رخيصاً وقمعياً لكل منتقدٍ لهذا الكيان الذي يرتكب المجازر ،فكيف يمكن أن يتقبل العقل الغربي  قتل وتهجير وإبادة شعب  أعزل منذ خمس وسبعين عاماً لولا تلك البروباغندا وهذا التجهيل الإعلامي؛ فتحتَ هذا العنوان  كم وكم تستّرت اسرائيل على جرائم كثيرة حصلت في السابق وتحصل اليوم في فلسطين. لكن على غير مرآى ومسمع العالم كله كما كان يقال، فلقد كان الإعلام الغربي يُظهر تلك الأحداث من خلال سرديته هو وإعلامه خلافاً للوقائع والحائق. 
أما اليوم فإن ما يحصل في غزة خصوصاً وفي فلسطين عموماً  خرج من أيدي الإعلام الغربي  حيث قدّمت السوشيال ميديا رواية مغايرة لما كانت الشعوب الغربية تراها وتسمعها عبر أساطين الإعلام وإمبراطورياته كBBC  وCNN وغيرها من صناع الرأي  العام في الغرب. وما  تهافت الدعاية ضد حماس والفلسطينين بأنهم  دواعش وقاطعي رؤوس الأطفال وسقوط  هذه التهمة التي حاول  بايدن "الرئيس الأميركي" من اليوم الأول  ومعه أتباعه في البيت الأبيض تبنّي نشرها  وإستغلالها لصرف مليارات الدولارات من جيوب دافعي الضرائب في أميركا. كذلك الحال في أوروبا إذ حاولت فرنسا في الأيام الأولى لطوفان السابع من أكتوبر  أن تتقدم بقانون يجرّم  حتى التعاطف مع القضية الفلسطينية في حمل علم فلسطين، وكيف سقطت  هذه الدعاية، التي  تبناها  الساسة والرؤساء وما ينتظرهم  وينتظر حكوماتهم  ليس بالأمر القليل والغير متوقع  .ذلك لأنهم وقعوا في مكر  العقل  الذي أنتج نظامه الأخلاقي والقيمي،  وبالتالي أصبحت السياسة مكشوفة،  والساسة محاسَبين  في عقر دار مؤسساتهم التشريعية حيث تنامي السؤال  والتقريع  في البرلمان الهولندي والبلجيكي  والإسباني  لما يجري في غزة. وغداً ستكِرُّ  السّبحة ليبقى الداعمون الصهاينة والمتصهينون معزولين مكشوفين أما دعمهم اللامحدود لدولة الفصل العنصري والإبادة الجماعية  اسرائيل  (الديمقراطية )  سوف يكون محل نظر لتبدأ محاسبة  الشعوب  المصدومة  والتي تكشّفت أمام ناظريها حقائق تم إخفاؤها  عن أعين الشعوب الأوروبيه والأميركية البسيطة والطيبة. وسوف تكون المعركة منذ الٱن هي معركة الرواية و الصورة . قد نجد  اليوم الكثير من المتبرعين  لإعادة إعمار غزة  ومساجدها ومستشفياتها وكنائسها .لكننا لازلنا في قلب المعركة والمعركة تحتاج  للمتبرعين الذين ينفقون أموالهم في سبيل القضية المحقة.  وأهم  عنوان يمكن الإنتباه اليه هو كيف يمكن أن نكشف اسرائيل أكثر وأكثر وكيف يكمن للشعوب في العالم أن تحاكمها .  كل الدول العربية  حكومات ومجتمعات  ليست مطالبة بإرسال جيوش لدعم غزة  يكفي أن  تنخرط في مشروع  ذكي لحشد شعوب العالم  مع القضية الفلسطينية وتقديم إسرائيل والإدعاء عليها أمام المحاكم الدولية بوصفها  دولة فصل عنصري متهمةً بالابادة الجماعية قاتلة الاطفال والنساء  وقاطعةَ الماء والكهرباء والغذاء والدواء.